arablog.org

Tag Archive: النزوح

الحب ليس نقيضًا للحرب

كُره الحروب العاصفة بنا اليوم، يدفع الكثيرين إلى الإيمان أن الحل بالحب، غير أن هذه الأحلام السعيدة، أكانت وردية أم حمراء غير دموية، هي دموية بلا وجل.

نتاجًا للحب خلق البشر بشريًا صغيرًا، نما الصغير وكبر، ليكمل بدوره المسير، ليحب بشرية صغيرة سابقة بالغة حاليًا، تكاثرا وأنجبوا المزيد من البشر، وظل هؤلاء البشر يتكاثرون يومًا بعد يوم يرهقون أرضهم، يعيثون فيها فسادًا شرقًا وغربًا، شمالاً-جنوبًا، وظلوا يتخاصمون يتشاجرون؛ يتحاربون.

الحرب في الأساس هي وليدةٌ لحب، حبٌ مفرط أبزغ للدنيا ثمرة حربٍ جديدة، في صلبها غضبٌ وطيش، كرهٌ بليغ إلى جوار محبةٍ عميقة يستخدم الأولى ليطلق حربه، والأخيرة ليخمذها إلى أجل، حيث تطلق حلقة جديدة من مسير الحرب اللانهائية، هي شبيهة بما لانهائية باز يطير وما بعدها!

تمكن الحب من يجلب إلى ليبيا وزيرًا محبًا للإعلام، محبًا لشعبه فلم يخشى ولم يتوانى حتى أن يهدد جزءً مسالمًا من مواطنيه بملاحقتهم عسكريًا لأنهم صحفيون عملاء أغبياء لدول أجنبية، ففي دولة الحرب الجميع عميل إن لم يردد ما تقول أو إن لم يصمت مصفقًا في ذهول حكمتك. إن ذات الحب أنجبّ شيخًا جليلاً أباح سفك الدماء في أي مكانٍ يلزم لرفع راية الإسلام من أعداء الإسلام المسلمين أيضًا!

حب روميو وجولييت لم يخلف قصة عاشقين قد تعتبر جميلة وحسب، إنما الكثير من الدماء.

بينما تعج شوارع المدينة بآليات الموت المتنقلة لتحرير المدينة، تعم المنازل موجة من حب الوجود تدفعهم لإنجاب المزيد من البشر ليضمنوا بقاء النسل حتى وإن لم يتمكنوا من العيش الكريم بلقمة خبزٍ وإيجار سكن، فالإيمان المترسخ بأن رزق الوليد سيولد معه أسمى من واقع أن الفقر على الأرجح هو المآل.

طالما استمرت الحرب فهي ستحتاج إلى الحب الذي يلد لها المزيد من الحطب لضمان إستمرار سعيرها المشتعل، الحرب لا تكره الحب وإن كان الأمر في غفلةٍ منّا يبدي العكس.

إلا إن كان الحب مثليًا، فعندها لا خوف كبير من بذرة حرب، حسنًا ذلك أيضًا غير خالٍ من الحرب طالما وجدَّ إيجار الرحم. هل كل الحب يلد حرب؟ لا أظن ذلك، لكن الكثير منه يفعل. وتبقى مناشير الإنترنت المزيلة لراء الحرب جاعلةً منها حُب، أجمل ما يمكن أن تشاهده إبان الحرب!

(مصدر الصورة: كومنز)

المشهد السيريالي للحرب الليبية.. شهادتي على النزوح

بنغازي نهاية العام 2011

بنغازي نهاية العام 2011 (أرشيف)

لشخصٍ مثلي لا يتخطى عمره 20 عامًا، يبدو النزوح شيئًا جديدًا، أو على الأقل بالنسبة لي، لكنه قديم، فيما يبدو، قدم التاريخ في ليبيا مُنذ حرب 1911 إبان تقدم القوات الإيطالية نحو البلاد، من هناك تولّدت مصطلحات ص ش،  والعايدون!

 وصاد شين تقال لـ”صادش” أحيانا؛ هي بالأساس اختصار للصحراء الشرقية، وتطلق على من غادروا ليبيا نحو مصر إبان الحرب، أما العايدون فهي تطلق على من غادر من غرب ليبيا تجاه تونس وغيرها.

في الحرب الأهلية الأولى، منتصف 2011، شهدت البلاد موجات نزوح كبيرة في معظم المدن، بعضهم عاد وبعضهم لم يعُد لبيته إلى اليوم. اليوم، عاد النزوح مجددًا لواجهة المشهد. في قاريونس، الضاحية الغربية لبنغازي، والتي يقع فيها معسكر17 فبراير، تساقطت الصواريخ والقذائف بالمنطقة الفاخرة نسبيًا، التي تضم المدينة الجامعية، ليفتك ضجيج الحرب بسكون الليل، ويعلو صفير الصواريخ المُرعب على صياح الديك الموقظ!

سيطّر القلق على أسرة سُعاد في ليلةٍ شديدة القصف. لم تهنأ العائلةُ، تلكَ الليلة، أبداً. تملّك الخوف من أبنائها الصغار، وافترشوا الدرج لعله يكون المكان الأشد أمانًا لهم إن اختار أحد الصواريخ العمياء أن يستقرّ فوق رؤوسهم. لكنهم نجوا بأعجوبة. لم يصدق ابنها الأصغر أنه خرج سالمًا من حيّهم. نزحوا إلى السلماني، الحي الأشد أمنًا نسبيًا. بعد أيام، شعروا بأن الوضع تحسّن، فعادوا مجددًا لبيتهم. البيت الدافئ الذي يفترض أن يقيهم كل شر. وما لبثوا أن عادوا لدارهم ليعيشوا على وقع ليلةٍ جديدة أشدّ من سابقتها، فعادوا نازحين كما في السابق. مضت الأيام وهم مُستقرّون عند أقربائهم في السلماني لاعنين الحرب، متمنين أن ينقضي الأمر على عجل؛ لكن الحرب كانت باقية بل وتتمدد؛ ماهي أسابيعٌ حتى تمدد القصف إلى حي بوعطني، جنوب شرقي بنغازي، حيث مُعسكر الصاعقة. ومن هناك نزحت عائلة محمد إلى نفس المكان: السلماني!

المشهد سريالي، اجتمعت العائلتان الأولى من قاريونس والثانية من بوعطني، حيث يقصف معكسر بالحي الأول المعسكر بالحي الثاني والعكس! سخرت العائلتان من بعضهما في مزاح، وماهي إلا لحظات بعد موجةٍ من البكاء على ما ذاقوه من رعب، حتى انهمك الرجال في التحليل والتخمين: من تقدم ومن تقهقّر، ومن سينتصر، بل في نقاشهم يؤكد الأول للثاني بأن هناك وثيقة استخباراتية تؤكد المعلومة كذا. هنا لعنة الفيس بوك تبدو جليّة؛ أما النسوة وفي منتصف الليل- وهنَّ متكئات على أرائكهن- تتبادلن الحديث ويعصرهن الألم لحال جيرانهن ومعارفهن مما أصابهم من حربٍ كانوا يخشونها، حولّت مواضيع حديثهن إلى الموت والدمار حصرًا

نُشر في هنا صوتك.