arablog.org

Tag Archive: فوضى

رصاصة في أحشاء عمتي

من هُنا نفذت..

A photo posted by Wissam Salem | وِسَٰامْ (@wissamly) on

بدأ الأمر برمته بجهل الإنسان وكرهه تمازج الأمران وتكون سلاحٌ مُختلف الأصناف، تكونت هذه الأخيرة بفضلِ علم لا جهل بالطبع لكنه علمٌ مدفوع بالكراهية، وكراهية موهوبة للجهل، جهلٍ أعمى بالكراهية بشكلٍ أصح، منذ ذلك -وقبل- همّ الإنسان بإفتعال الحروب وأوغل في سفك الدماء حروبٌ لا تنتهي أحيانًا عرقية وتارة دينية وتارة أخرى بيئية معيشية، المهم أن الحروب تتكاثر.

يعلم الإنسان جيدًا معاناة الحياة في ظل الحرب إما لتجربةٍ سابقة أو روايات الأسلاف عنها أو معاينتها لدى الجيران، ومع ذلك لا يتردد في خوضها يرحب بها ويفتح لها داره ويوصد الباب عليها لتختلي به ولا يتمكن الحل الأهون أيًا كان شكله من الدخول.

“أي..” تأوهت واقفةً في مكانها جامدة بلا حراك، في ذلك الوقت جِسمٌ معدني غريب إخترق جلدها بسهولة كما فعل الزجاج وقطعة القماش من الستارة، غاص داخلاً ليصل إلى قولونها ويخترقه، ثم يكتفي متعبًا بالإستقرار هناك داخل أحشائِها.

 

في عصر أيامٍ سابقة بينما هي ساجدة صفير رصاص ومن ثم صوت إرتطام، تلقى حائِط غرفة نومها تلك الرصاصات غير البعيدة نسبيًا عن الشباك، بينما تتلقف غرفة المعيشة المجاورة الرصاصتين الأخرتين، ليس أمامك إلا السخرية تعقيبًا عما حدث، السخرية على ما قد يبكي، هو شيءٌ أساسي لنمط حياة تحت الحرب.

قبل لحظات من همسة “أي” إرتفع صوت الرصاص؛ ليس بإمكانك أن تعرف لِما؟ فعليًا ليس من حقك أن تعرف، في الواقع من يقذف بقذيفة الموت، هو أيضًا ليس واثقًا تمامًا لِما يفعل ذلك؟ كما أظن! إنتصبت متوجسة مبتعدة عن الغرفة خشية الرصاصة لكنها ولت الدبر تأمرني ناهيةً مستجدية -إجتمع النهي والأمر بتضاد الإستجداء- أن ألحقها مبتعدًا عن تلك الغرفة غير أني تباطأت كالعادة مستهزئًا بالرصاص لما سمعناه من صواريخ!

في المستشفى تُركت على السرير وهي تقاوم الآمها، بعد أن عانت لتصل إلى مكانها ذاك فليس بالهين أن تجتاز المتاريس القاطعة للطُرق، على السيارة أن تمشي على الرصيف، وعلى المتمترسين في الطرقات أن يروا بأن في السيارة إنسان يكاد أن يموت نزفًا، عليها أن تجاهد لتمشي على أقدامها أحيانًا فلا خيار فليس بالإمكان أن تعبر السيارة، هذا صحيح، عليك أن تموت قبل أن تصل إلى المستشفى، إلا إن حالفك الحظ وقاومت، هكذا فعلت هي.

في المستشفى ترى ثمار الحرب، مقاتلين يبكون رفاقهم وأخرين متفحمين، ترى الشيء العظيم، ترى كيف تصطك أسنان فمهم ليلاً من شدة البرد ولا يخفون بسمة على وجوهٍ لا تخفي الحرب طمعها لهم.

اليوم ستتألم عمتي من جرحٍ آلم بطنها ورصاصةٍ توسدت أحشائها، وليس لي إلا أن اتألم لها، وليس بوسع الكثيرين إلا التألم حسرةً على حبيبٍ قد فارق الحياة محاربٍ أم مسالم، ولحبيبٍ أصيب متألمين لألمه، أو بيتٍ قد نُسِف ونسفت معه ذكرياتهم ويومياتهم الدافئة.

الحرب كريهة نتنة، ولكن البشر يحبونها ويتلذذون برؤيتهم لها تنهشهم وتقضمهم فتبصقهم أشلاء، وإن جاهروا بكرههم لها، فهم في داخلهم يحبونها، يتعاطفون معها، جُبِلوا عليها!

جدليّة الدراسة الجامعية في خضم الحرب الأهلية!

جامعة بنغازي

جامعة بنغازي

مضت أشهرٌ طوال منذ أن توقفت الدراسة بجامعة بنغازي [مُنذ منتصف أيار/مايو] حيث أعلنت الميليشيات شبه النظامية بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر حربها على “الإرهاب” وبادلته الميليشيات الإسلامية  المتطرفة إعلانها الحرب على “الطاغوت” حفتر، وفي الغرب هناك بطرابلس، فقد أعلنت الجامعة إيقافها الدراسة مُنذ مطلع آب/أغسطس الحالي بعد أن تزايدات حدة الصراع ما بين ميليشيات إسلامية وأخرى شبه نظامية، وبعد أن بأتت الجامعة غير بعيدةً عن مرمى النيران؛ اليوم جامعة بنغازي تعلن إستئناف الدراسة في الثلاثين من الشهر الجاري، بينما أعلنت طرابلس إستئناف الدراسة في منتصف الشهر المقبل، أيمكن ذلك؟

توقفت الدراسة بالأساس في بنغازي لتواجد معسكراتٍ رئيسية للميليشيات المختلفة والمتقاتلة بمحيط الجامعة، ففي إحدى أيام مايو الماضي تحصن عناصر إحدى الميليشيات بداخل الحرم الجامعي بعد أن تعرضوا لهجومٍ من قبل ميليشيا أخرى معادية لهم، وكذلك سقوط قذائف صاروخية مجهولة المصدر لعدة مرات ألحق بعضها أضرار مادية بالغة نسبيًا وفي أحيانٍ أخرى كانت تسقط في أماكن خالية. حسنًا دعونا وفقًا لما سبق أن نفكر هل من الصواب إستئناف الدراسة؟ هل من شيءٍ  قد تغير؟ أانتهت كل الأسباب السابقة؟ قطعًا لا، بل زادت.

’’ يوجد بالجامعه منطقة تملك فيها قوات كتيبة الـ21 أمر بإطلاق النار وهي المنطقة المحيطة بداخلي البنات؛ ونحن اصلاً شن نِبّوا فيها؟‘‘

– د. محمد المنفي، رئيس لجنة الأزمة والناطق الرسمي بإسم جامعة بنغازي

جامعة بنغازي تُصر على أن تستأنف الدراسة نهاية الشهر الحالي حتى لا يضيع الوقت هباءً غير مباليةً بالوضع الأمني المتأزم بالمدينة مكتفيةً بوعودٍ من جانب الميليشيات الإسلامية المتطرفة والشبه نظامية بعدم التعرض لها، الوعود التي لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكل الوثوق بها!

يقف عددٌ لا بأس به لصالح قرار إستئناف الدراسة خصوصًا أولئك ذوي الفصل الدراسي الأخير قُبيل تخرجهم وإنهاء حقبة مريرة بين جدران الجامعة الإسمنتية البالية، من حقهم أي نعم ولكن إستئناف الدراسة في وضع الحرب العلنية هذه مسٌ من الجنون، ناهيك عن الخطة الحالية للجامعة التي ترى الإكتفاء بما تم منحه من منهج دون إكماله والإمتحان فيه مباشرةً، الأمر مثير للغثيان فنحن لا نشهد تعليم رديء وحسب بل ومنتوج رديء أيضًا على غرار الـ80% نجاح في الشهادة الثانوية لسنة 2014، بفضل الغش والفوضى طبعًا.

جامعة طرابلس - كلية الهندسة

جامعة طرابلس – كلية الهندسة

جامعتي طرابلس وبنغازي تُصران على إستئناف الدراسة رغم الظرف الحرج الحالي في كلتا المدينتين والذي يزداد سوءً لا إستقرارًا يومًا بعد يوم من دون وضع أيّ إعتبار لمسألة النزوح المكثفة التي شهدتها عددٌ من أحياء كل من طرابلس وبنغازي ناهيك على من غادر البلاد بأكملها تخوفًا على نفسه من رأي أو موقفٍ قد تبناه في إطار الإحتراب الأهلي الحالي.

اليوم بات لدينا عدة سيناريوهات قاتمة حول مستقبل الجامعات في حال تم فعلاً إستئناف الجامعة مقابل سيناريو جميل هو أشبه بالحلم وهو أن تعود الدراسة مجددًا وتجرى الإمتحانات دون أيّ عراقيل أمنية مصاحبة غير غياب جُل الطالبات لطبيعة المجتمع وتخوف أسرِهن عليهن، هذا هو السيناريو الأشد وردية؛ حيث بالإمكان رسم سيناريو تطويق الجامعات من قبل أي ميليشيا وفي أيٍّ من الجامعتين، ويمكن تصور سيناريو أشد وحشيّة بإندلاع معركة مفاجِئة في محيط الجامعة قد تنتقل إلى داخل الجامعة.

كل هذه السيناريوهات وغيرها لا يمكن بأي شكل الإستخفاف بها فهي قبل جدًا للحدوث فالأطراف المتقاتلة حاليًا ليس لها ذرة من عقل تفكر به قبل أن تباشر أعمالها المدمرة الغبية، ولكم في ما حدث من تدمير وتخريب في كلتا المدينتين ومن قبل كافة الميليشيات مثال واضح وجلي على أنه ينبغي الوجل والحذر قبل إتخاذ قرارٍ متعجل بإستئناف الدراسة دون تفكيرٍ معمق في عواقف قرار مصيري بحق الألاف من الطلاب والطالبات والإكتفاء بالسخرية من هكذا سيناريوهات والتعويل على شعارات جوفاء حول وطنية الليبيين و”هاذول ليبيين زينا مستحيل يديروا هكي” فرغم كل ما حدث وما يحدث في ظل الحرب الطاحنة لا يزال البعض غارقٍ في وهم “الليبيين شعب طيب” وأصيل، أو التستر بحجج الدين “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” والعمر واحد، واللي كاتبها ربك تصير! يلقون بأنفسهم إلى التهلكة ثم يقولون لما هلكنا، هكذا إعتدنا، المثير للسخرية هي حجة إعادة الدراسة لإجبار الميليشيات على وقف القتال! ويكأن عاشقي الدم المتقاتلين يخشون سفك الدم! ليست هذه الأسباب فقط المبررة لإيقاف الدراسة فالنازحين والحالة النفسية وأسبابٌ أخرى تعد اسبابًا أساسية لتبني فكرة

أوقفوا الحرب، وإلى حين ذلك أوقفوا الدراسة؛ السلامة العامة أولاً.