arablog.org

Tag Archive: المملكة الليبية

دستور ليبيا الجديد: أين ينبغي أن تكون العاصمة؟

التجربة الدستورية الرابعة في ليبيا قد تكون كارثية المحتوى خصوصًا في مستوى الحقوق والحريات، ومكرسة لصناعة “دولة ثيوقراطية” عصرية -ربما!

مرت ليبيا حتى اليوم بثلاث أو أربع نصوص دستورية، كان دستور المملكة الليبية المتحدة سنة 1951 هو الأساس فيها إلى أن عُطِل سنة 1969 في الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عن “مجلس قيادة الثورة” العسكري بقيادة معمر القذافي، غيرّ أن المؤقت ظل زمنًا طويلاً حتى صدرت “الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان” من قبل القذافي نفسه والتي لا يمكن الجزم بأنها وثيقة دستورية، وحتى إندلاع الحرب الأهلية الأولى سنة 2011 وسقوط حكم القذافي أعلن “المجلس الوطني الإنتقالي” إعلانًا دستوريًا ظل مستمرًا حتى اليوم وبتعديلات تكاد تتجاوز أصابع الكفين هي أشبه بمحاولات الإنعاش له.

تنتظر البلاد منذ 4 سنوات دستورًا جديد -بناءً على الإعلان الدستوري 2011- ليس من الواضح أهميته في ظل مناخ عدم الثقة والحرب الأهلية السائدة والإنفلات، وبعد أن نشرت الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور مطلع العام نتائج لجانها النوعية إنتهت منذ أيام قليلة من صياغة مسودة مشروع الدستور بأكمله عدا مادة وديباجة!

أين العاصمة؟

المسودة المنشورة تكونت من 211 مادة تركت المادة الثانية منها فارغة بسبب عدم التوصل لتوافق حول نصها، المادة التي يفترض على أن تنص حول مكان العاصمة، طرابلس الغرب ليست كما ردد جميع من ظهر على التلفاز سنة 2011: “العاصمة الأبدية” كما يبدو من الجدال الذي يخوضه أعضاء الهيأة تحت القبة! صراع العاصمة قديم، فيُشاع أن القذافي كان يرغب بمسقط رأسه سِرت عاصمةً للبلاد، ويحلم جل سكان شرق البلاد أن تكون العاصمة في بنغازي التي تشاركت “العصمة” في ما مضى حيث كانت هي وطرابلس عاصمةً للبلاد دوريًا في دستور 1951 نتيجة لصراع كالذي يدور اليوم، وكذا مدن أخرى؛ اختلف الأعضاء هنا لكنهم بالأغلب يتوافقون على مواد أخرى في هذه المسودة أشد أهمية تمس الحقوق والحريات.

Ghademis girl - Libya

فتاة غدامسية – للمصور اريك افورج – فليكر

حقوق وحريات

 

المرأة

في باب الحقوق والحريات بالمسودة الحالية، تنسف المسودة آمال “حقوق المرأة” فبعد أن كان من المأمول أن تمنح المرأة المزيد من الحقوق في المساواة وتكافؤ الفرص فقد أستبدلت تلك الآمال بوصفهن شقائق الرجال وتجنب ذكر حظر الزواج القسري وواصل عدم تجنيس أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي:

 

الجنسية

لاجئين أجانب متجهين إلى الحدود المصرية على خلفية الحرب الأهلية الليبية 2011

تفرض المسودة الحالية معوقات كبيرة لتحافظ على “الجنسية الليبية” نقية في تواصل لمشهد الوهم الليبي حول عظمة عرقهم وجنسهم، ليبيا التي تكونت على مر العصور بعرقيات مختلفة أفريقية وأوروبية وكذا آسيوية، تفرض المسودة فيها شرط الإقامة المتواصلة لمدة 20 عامًا على الأقل ليصبح الإنسان مخولاً بطلب الجنسية، كما أقتصر حق منح الجنسية الليبية للأبناء من قبل الأباء حصرًا فيما يعطي أبناء الأمهات الليبيات الأولوية في التحصل على الجنسية إضافة للزوج الأجنبي والزوجة الأجنبية للزوج الليبي، ويظل خطر سحب الجنسية الليبية قائمًا بالنسبة للمتجنسين ففي المادة 12 تنص المسودة على “يحظر إسقاط الجنسية الليبية لأي سبب كان. ويجوز سحبها ممن اكتسبها خلال العشرين سنةً التالية للاكتسابها. ويبين القانون حالات السحب وآثاره.” ما يجعل أولئك المتجنسين رهن التشريع الذي ستصدرها السلطات التشريعية، دون أي سقف. لم تحظر المسودة الجمع بين الجنسية الليبية وأخرى لكنها حظرت توليهم منصاب رئاسة الدولة والوزارة ورئاسة مجلسها، وأمتد الحظر إلى عضوية الأجهزة التشريعية والقضائية وتمثيل البعثات الدبلوماسية والهيئات الدستورية والقيادات العسكرية وفتح الباب للقانون أن يحظر إزدواج الجنسية في مناصب أخرى.

الأقليات واليافعين

صورة لـ منصور الصقر – فليكر

إقتصرت المسودة على إعتبار أن “اللغات التي يتحدث بها جزء من الشعب الليبي لغات وطنية وجزء من ثراته اللغوي ورصيدًا مشتركًا لكل الليبيين” على أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، في ما كانت المادة 32 الخاصة بالنشء والشباب إنشائية بأن تقوم الدولة برعايتهم وأن توفر لهم سبل الرفع من قدراتهم والمشاركة في الحياة السياسية مع أنها في المواد التالية تفرض أعمارًا كبيرة تولي الوظائف السياسية، لم تراعي المسودة الحالية فرض فرص حقيقية لمشاركة الشباب والنساء وكذا الأقليات في الحياة السياسية والإقتصادية وإن كان بشكل مؤقت حيث إكتفت بكلام إنشائي -غزلي إن جاز الوصف- دون قيمة فعلية، والشي نفسه في المادة المعنية بحقوق الطفل هي الأخرى .

Libya

أحد مساجد زليتن – للمصور ريتشارد مكمانوس – فليكر

الدين والدولة

طوال سنوات ظلت مسألة إن كان الإسلام هو مصدر التشريع أم أحد مصادر التشريع وأثير الجدّل حول ما ينبغي أن يكون نص مادة التشريع، المادة السابعة في مسودة الدستور المختصة بمصدر التشريع نصت: “الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع وفق المذاهب والإجتهادات المعتبرة شرعًا من غير إلزام برأي فقهي معين منها في المسائل الإجتهادية، وتفسر أحكام الدستور وتقيد وفقًا لذلك.” كما نصت المادة 203 أقصر مادة في المسودة على أن “تصدر الأحكام القضائية باسم الله الرحمن الرحيم” بعد أن كانت تصدر طوال العقود الماضية “باسم الشعب” الأمر الذي كان يحث الصادق الغرياني رئيس دار الإفتاء الليبية عليه منذ زمن خاصةً بعيد بُعيد تعيينه في منصبه الحالي. كما فرضت المسودة في المادة 28 الزكاة وكلفت الدولة بتحصيلها دون أن تخلطها بإيرادتها العامة، وبينما اشترطت في عضوية مجلسي النواب والشيوخ الإسلام، فقد أضافت المسودة شرط أن يكون المترشح لرئاسة الدولة إبنًا لوالدين ليبيين مسلمين أيضًا، فيما نصت في المادة 128 المتعلقة بالحق في التعليم على أن “.. تبنى مناهج التعليم على معايير الجودة وتعاليم الدين الإسلامي وقيمه،.“.

الهيئات الدستورية

نصت المسودة على إنشاء عدد من الهيئات الدستورية المستقلة ينتخب أشخاص مستقلين لإدارتها من قبل السلطة التشريعية، وتمنح هذه الهيئات الشخصية الإعتبارية والاستقلال الفني والإداري والمالي، وهي:

  • المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات، المسؤولة عن تنظيم جميع الإستفتاءات العامة والإنتحابات العامة والمحلية
  • ديوان المحاسبة، الجهة الرقابية العليا في الشأن المالي
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المسؤول عن ترسيخ قيم حقوق الإنسان ومراقبة أوضاعها ورصد الإنتهاكات بشأنها ودعم المواطنين في الحصول على حقوقهم
  • المجلس الوطني للموروث الثقافي، المعني بالمحافظ على الموروث الثقافي واللغوي الليبي
  • مجلس كبار العلماء، ويشكل من 15 عضوًا من المختصين في الشريعة الإسلامية ويبدي رأيه في ما يحال إليه من سلطات الدولة والتوصية إضافةً لإصدار الفتاوى الفردية في شؤون العقيدة والعبادات والمعاملات الفردية
  • هيأة الشفافية ومكافحة الفساد، المسؤولة عن وضع سياسات تكفل الشفافية ومكافحة الفساد وتنفيذها
  • هيأة التنمية المستدامة، تتولى التوصية بسياسات من هدفها التنمية وتقديم المشورة